الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

المشهد العربي المأمول من القمة الخريفية

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأربعاء16/3/2022

بمزيد من الأسى تراجع الاهتمام الدولي بالموضوع الفلسطيني _ الإسرائيلي وبات ثانوياً في جدول أعمال الدول الكبرى المتعاطية مع هذا الموضوع بأمل إنجاز خطوة متقدمة على طريق حسْم صيغة الدولتيْن، خصوصاً بعدما بات هنالك تشجيع عربي نسبي في ضوء زيارات متبادلة تمت وتسجيل مواقف من حُسْن النية تنتظر الرد عليها بالمثل. ومن الطبيعي حدوث هذا التراجع أو فلنقل إعادة ترتيب في جدول الأعمال الأشبه بإعادة تموضع القوات من دون أن يعني ذلك إنتهاء المواجهة، بعد الهجمة البوتينية المباغتة على أميركا ودول الأطلسي شكلاً كلامياً وبأعلى مفردات التحدي وعلى أوكرانيا فعلاً تدميرياً يذكِّر الجالسين أمام الفضائيات بالأفعال التدميرية الأميركية _ البريطانية في العراق جزاء فِعْل إقترفه العراق الصدَّامي بالكويت وسبق به روسيا البوتينية بإثنتيْن وثلاثين سنة.

هل ستكون النهايات واحدة؟ هذا حتى إشعار آخر في عِلْم الغيب. كما في عِلْم الغيب أيضاً هل يكون الرئيس بوتين على درجة من الحصافة تشبهاً بأهل الحُكْم الصيني في تعاملهم مع كل من تايوان وهونغ كونغ، قبل وقوع الفؤوس على الرؤوس.. وعلى رؤوس الروس بالذات كون الرؤوس الأوكرانية نالت من الفعل الشرير ما يتوزع بين قتل وتدمير وتهجير، فيما يتعالى الصوت الأطلسي بمفردات متنوعة يهدد بالويل وعظائم الأمور بتراكم العقوبات التي بدأت تؤذي لكن لا بد أن قيصرها متحسب سلفاً لذلك، كما لا بد أنه وضع على الطاولة خيارات وعلاجات تقيه مفاعل الخيبة في حال إكتملت مقدمات صمود الطرف المعتدى عليه من جانب الرئيس بوتين الذي يريد مجداً على حسابات أوطان وأرواح وسيادات آخرين.

قبل أن يتراجع الإهتمام الدولي بالموضوع الفلسطيني كان حدث تراجُع مماثل بالمحنة اللبنانية والمحنة السورية والإرتباك المستحكم في أهل الحُكْم. وفيما بدأ الأطراف الثلاثة يمنون النفس بأن هنالك قمة عربية عادية ستنعقد من حيث مبدأ دورية الإنعقاد السنوي في العاصمة الجزائرية وأن هذه الأطراف ستغتنم مناسبة الإنعقاد ليضع كل شكاواه وملفاته ومطالبه أمام الملوك والرؤساء الذين سيشاركون في القمة إخترق الرئيس بوتين أجواء التخطيط لهذه المناسبة الجامعة مقترفاً وزراً لا مؤيدين له وحتى لا مقتنعين بتبريرات مغامراته كون مفاعيلها على المدى غير البعيد وتحت وطأة العقوبات الأميركية والأوروبية على الطرف الروسي المتجني ستكون ذات تأثير بالغ على كل مواطن نفطاً كان التأثير أو غازاً أو قمحاً. ومع أن هذا التأثير سيشمل شعوب أميركا وأوروبا وتعالجه الحكومات بالتي هي أمكن عملاً بقاعدة الدروس المستفادة من حربيْن عالميتيْن مضتا، إلاَّ أن وطأة النضوب المتدرج للقمح في إهراءات بعض الدول العربية وإرتفاع متزايد في أسعار النفط والغاز تفوق قدرة عشرات ألوف العائلات العربية ستكون بالغة الشدة وذلك لأن الحكومات وتفادياً للشمول، نقول بعضها، لا تحسب حساباً لما تخبئه عاديات الأيام الآتية في طياتها. أليس في ضوء ذلك تجد اللبناني والسوري والمصري والعراقي والسوداني... هؤلاء بالذات دائمي الخشية من تلك العاديات والتي أكثرها قساوة على النفوس أن تنتهي الأزمة الروسية _ الأطلسية، أزمة عالمية بإمتياز حاملة في طياتها حروباً متنقلة لا قدرة للشعوب على تحمُّل ويلاتها.

ليس واضحاً بعد أي جدول أعمال ستكون عليه بنود القمة العربية المتثاقل أمر عقْدها بدليل جعْل الإنعقاد خريفياً(1_2 نوفمبر/تشرين الثاني) بدل الإنعقاد المتعارف عليه ربيعياً (أواخر شهر مارس/آذار من العام) لكن الحراك المصري _ الخليجي الذي يواكب تطورات الأزمة الروسية _ الأطلسية وأحدثه لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي بخادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان بن عبدالعزيز ومحادثاته مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان يوم الثلاثاء 8 مارس/آذار2022 يتيح المجال أمام التوقع بأن إنفراجات لا بد حدوثها. وفي مفردات نقرأها في ما يقوله الرئيس السيسي أمام زائريه على هامش التواصل بين مصر والمملكة العربية السعودية وقبل ذلك ببضعة أسابيع تواصُل مصر مع كل من الجزائر وتونس وليبيا والمحادثات التي عقدها مع القادة والمسؤولين العرب الذين إلتقى بهم في القاهرة بعد الإمارات وكذلك في ضوء زيارة لبضع ساعات قام بها إلى الكويت بعد الإمارات. إننا في ضوء هذا الحراك الذي يكتسب صفة السعي الحميد، سنكون في حال لم يصب إنعقاد القمة بمكروه تأجيل آخر، أمام مشهد مختلف للأحوال العربية يحل محل المشهد الذي زاد هوة التباعد إتساعاً. مشهد يتطلب تكاتفاً وإجماعاً على التمسك بوحدة الصف لا يخترقه الغريب أخاً إيرانياً كان أو إسرائيلياً متلهفاً يطلب التعايش من دون تقديم مؤهلات التعايش المطمئن. وكذلك مشهد يترجم قراراً ملزماً من القمة بتفعيل تحريم التدخل في الشؤون الداخلية وإهتداء التائهين والحالمين إلى الصراط المستقيم وكذلك تحريم السلاح على غير جيش الدولة وتحريم التجريح بالعلاقات والمقامات.

بهذا تصطلح أحوال الأمة وتنجو قدر الإمكان من وطأة صراع دولي قد ينتهي حرباً عالمية ثالثة. وفي إستطاعة الأمة إن هي خرجت من القمة المؤمل الإنعقاد الخريفي الناجح لها، أن تكون إحدى وسائل تهدئة بوتين روسيا وبايدن أميركا ودول الأطلسي فلا يحترق العالم فيما هنالك طرفان متفرجان روسي وأميركي خارجان على قاعدة "على الأرض السلام وفي الناس المسرة".

فؤاد مطر