الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

كي لا تكون "داعش شيعية"

الرجوع

نشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 2/11/2021


ثمة فرصة أمام "حزب الله" إذا هو إستغلها يلقى إعادة نظر في التصنيف الدولي، وإن كانت المواقف لم تكتمل بعد، وفي موقف عموم العرب وليس فقط دول الخليج، على أنه "تنظيم إرهابي".
الفرصة المواتية التي نعنيها هي إطلالة إستثنائية من إطلالات الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله يقول فيها من الكلام ما من شأنه إحداث تبدل في التقييم ومنجاة من صفة الترهيب. وإذا كان مثل هذا الأمر ثقيلاً على النفس، فإن "الفتوى الخمينية" تجيز له القول، ونعني بذلك إقتناع آية الله الخميني في لحظات تقدَّم فيها ما يفيد على ما يتواصل ضرراً، أي التسليم بعدم جدوى الحرب مع العراق وتقليل حجم الضرر من إستمرارها، فكانت عبارته التي يجوز إعتبارها "فتوى" كونها صدرت عن الخميني رجل الدين، وليس عن كبير جنرالات إيران.
بهذه "الفتوى" قلل حجم الضرر الذي بات مع إستمرار العناد في التفاوض وبرعاية الأمم المتحدة، يجعل إيران على مشارف الهاوية.
مثل هذه "الفتوى" جدير بالمرشد علي خامنئي ضميرياً إعتمادها رأفة بالرعية اللبنانية الإيرانية الهوى والتي لا ترى في الدولة الإيرانية الملاذ لها. وطوال إشتداد الأزمة في لبنان ماضياً وحاضراً لم ير شبان من هذه الرعية أن مستقبلهم في المدن الإيرانية. ومن جانبها فإن الحكومات الإيرانية المتعاقبة لم تشوِّق الألوف من أفراد تلك الرعية إلى طلب العمل والأمان والدراسة في رحابها. وتلك نقطة نظام من واجب نصرالله التوقف عندها بما يعني ذلك الكثير. وهو لا بد يرى أن الجيل الشاب اليائس في الرعية اللبنانية الإيرانية الهوى يطرق أبواب السفارات الأجنبية والسفارات الأفريقية والسفارات الخليجية والسفارة المصرية للحصول على تأشيرة سفر إلى هذه الدول الشقيق والصديق والإستكباري منها، وأما الذين يطرقون باب السفارة الإيرانية فأفراد يرومون إما بعضهم لدورة تدريبية وإما للتبرك ببعض أضرحة رموز دينية.
هذا الواقع من المهم إستدراكه، فالمفاجآت التي في علم الغيب قد تكون إحداها ذات ساعة تغييراً في إيران مثل التغيير الذي قضى بأن الأمبراطور محمد رضا بهلوي إنتهى لاجئاً في حمى مصر التي ما إنفك النظام الثوري الإيراني يناصب مكانتها ودورها التحرش من خلال ثغرات مذهبية. وقد تكون المفاجأة من النوع الذي جرى في الإتحاد السوفياتي حيث هز الكيان الماركسي وكامل أباطرته حراك على مستوى أهل الحُكْم قوبل بإرتياح شعبي أعقبه تأييد جارف للصفحة الجديدة في تاريخ الدولة العظمى. ولن نذهب بعيداً فقد تكون المفاجأة على النحو الذي أصاب العراق الصدَّامي لأن رئيسه صدَّام حسين لم يقتبس بعدما إقترف وزر غزوة الكويت وإحتلالها، "الفتوى الخمينية" بحيث يرى أن الأخذ بما نصح به قادة عرب وعلى الملأ مواقف إكتسبت صفة الوثائق، كان الأكرم مما تلاه. و"الفتوى" المقتبسة التي نعنيها، هي أن ينسحب من الكويت ويرفق الانسحاب بما يرضي الله ورسوله وبالتالي أهل الكويت وقادة النصح الخليجي والعربي والملك فهد والشيخ زايد والرئيس حسني مبارك رحمة الله على الجميع والهداية للحائرين. لو فعل ذلك وإعتبر كما الخميني معه، بأن قرار وقْف الحرب الذي إتخذه كان "كمَن يتجرع السم" لكان نجَّى العراق ولما كان للنهايتيْن حدوث: نهاية العراق حرباً أعادته نصف قرن إلى الوراء ونهاية له شنقاً، مع فارق أن الأخذ بقرار الانسحاب من الكويت كان سيتواكب مع حلول جذرية لمتاعب العراق الناشئة عن سنوات الحرب.
لعل هذا الإستحضار ﻟ "الفتوى الخمينية" يكون قارب النجاة من ما قد ينتهي أعظم بالنسبة إلى الرعية اللبنانية الإيرانية الهوى. ومثل هذه الأمنية منشودة ومطلوبة من السيد حسن، عِلْماً لو أن طقوس العمل الحزبي كانت رحبة، بمعنى كان هنالك نقاش رحب لواقع الحال ومساحة رحبة لتسجيل الرؤى والمواقف وليس الحال على نحو أسلوب الجنرال وأركانه أي التنفيذ ثم المناقشة إذا فُسح المجال لها، لكنا سنرى أن الصوت الذي يرى إعادة النظر ولو "إقتباساً شرعياً" لما سبق وأفتى به الإمام الخميني سيعلو بعض الشيء على صوت المكابرة والتحديات.
ويبقى أن مناسبة هذا الذي نقوله، أن قرار "إعتبار حزب الله منظمة إرهابية" لم يعد أميركياً وإنما هنالك المزيد من الدول الأوروبية وكذلك أوستراليا التي كانت إحدى دول مقصد أبناء الطائفة اللبنانية الإيرانية الهوى ولقد إتخذت القرار نفسه. ويوماً بعد آخر سنسمع المزيد من هذه القرارات.
ثم هنالك قمة خليجية ستُعقد بعد أيام وهذه ستؤكد ما هو مؤكد سابقاً من جانبها لجهة تصنيف "حزب الله" إرهابياً. وبعد القمة الخليجية هنالك القمة العربية الدورية قد تجد نفسها تماشي الموقف الخليجي حتى إذا كانت هنالك تحفظات خجولة، وتعتبر "حزب الله" إرهابياً. وهذا سيتم بحضور رئيس لبنان أو مَن يمثله. وتلك لحظة الحسم الرسمي اللبناني إمتناعاً جاء عن التصويت أو إبداء بعض التحفظ، أو لدواعي التحالف القائم قد يكون الموقف دفاعاً عن الحزب الذي سينتهي التعامل الدولي- العربي مع أوضاعه إلى أنه "داعش" الشيعية بتصنيف المجتمع الدولي له. وتلك طامة كبرى لا يبعدها عن الرعية اللبنانية ذات الهوى الإيراني سوى إقتباس السيد حسن ﻟ "فتوى" الإمام الخميني وإعتبار الحراك الدولي – الأميركي الأوروبي – الأوسترالي بوجه التحديد، ومعه الموقف الخليجي المحسوم بأنه كما العقوبات المتدرجة كان رسالة في إنتظار الرد الواقعي عليها، أي إعتماد الممانعة السياسية عند الوجوب كما حال السُلطة الوطنية الفلسطينية رمز القضية وإهداء السلاح لجيش البلاد والعباد وعودة الذين حملوه وإستعملوه إلى مجتمعهم المدني. والله الهادي يا أبو هادي... مرة أُخرى من هذا القلم.
فؤاد مطر