الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

القمة العربية.. إن هي عُقدت

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأربعاء 24/11/2021

إذا صدق خبراء الطقس والمناخ ومعهم خبراء الصحة العامة والفيروسات التي تزداد إنتشاراً في أشهر فصل الشتاء... وهؤلاء ليسوا مثل المنجمين الذين يقرأون في الأكف وينطبق عليهم القول الثابت "وكذب المنجمون ولو صدقوا".. إذا صدق الخبراء أولئك وربطْنا توقعاتهم مع إجراءات إحترازية وتحذيرات بالغة الشدة بدأت في المانيا إتخذتْها السلطات المختصة وأرجأت إلى السنة المتبقي على إطلالة يومها الأول شهراً مناسبة الفرح التي ينتظرها الناس وهي الإحتفالات بميلاد السيد المسيح عليه السلام، قد يضفي على القمة العربية الدورية بعد أربعة أشهر (28 مارس/آذار 2022) أهمية تجعلها وهي العادية قمة إستثنائية كتلك القمم العربية التي وضعت المسار السياسي العربي على سكة السلامة والتوافق والشروع في كتابة عهد جديد في العلاقات وتنقية الأجواء، الأمر الذي أسس لرؤى تثمر بلورة في الإستراتيجيات على أنواعها السياسي والعسكري والإقتصادي. 

ولنا على سبيل التنويه القمة العربية الإستثنائية في الخرطوم يوم 29 أغسطس/آب 1967 قديماً والقمة العربية التي إستضافها الملك سلمان بن عبدالعزيز في الظهران يوم 15 أبريل/نيسان 2018. وهذه كان إنعقادها في إطار دورية الإنعقاد إلاَّ أن الملك سلمان وعضده وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان جعلاها إستثنائية بإمتياز سواء لجهة الراية التي رفعتْها وهي أنها "قمة القدس". هكذا أراد الملك سلمان أن تكون التسمية. وهكذا من أصْل 23 بنداً لما تم التوافق عليها ركزت تسعة بنود على عدم شرعية إصرار الرئيس ترمب على إعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ورفْض كل الخطوات الإسرائيلية الأحادية الجانب التي تغيِّر الحقائق وتقوِّض صيغة الدولتيْن بما يحقق السلام كما رأت ذلك مبادرة السلام العربية في القمة الثالثة التي كانت عُقدت وفق صيغة دورية الإنعقاد السنوي في بيروت يوم 27 مارس/آذار 2002 تنازلاً من الشيخ زايد رحمة الله عليه عن إستضافتها في أبو ظبي وذلك دعماً للوضع اللبناني غير المستقر لكنها جاءت تتألق في المشهد السياسي العربي بين قمة الخرطوم الإستثنائية التي كانت حصيلتها قرارات إسماً على مسمى، وقمة الظهران العادية التي أثمرت رؤية إستثنائية تجسدت في أن المملكة التي إستضافت والأشقاء القادة الذين شاركوا يرون أن مفتاح الباب الموصد هو المفتاح المقدسي، يتم حسم مصير القدس عاصمة لدولة فلسطينية منزوعة السلاح في أعلى درجات الطموح أو عاصمة أممية للديانات الثلاث يحرسها كما الحال في الفاتيكان جنود من الأمم المتحدة.
المهم في الأمر هو هل ستنعقد القمة في موعدها، فلا تعصف بالإنعقاد الموجة الرابعة من كورونا على نحو ما حدث مع القمة التي أرجأت الجزائر إستضافتها بأمل أن تتوارى الجائحة نهائياً وبذلك تنعقد القمة وفي الجزائر المحتفظة بحق الإنعقاد.
وهل إن تم التوافق على المشاركة فيها وليس الإنعقاد عبْر الشاشات، سيستبق أهل الحُكْم الجزائري الإنعقاد بترطيب الأجواء بينهم وبين المغرب والتي حفلت بمفردات كثيرة الحدة من التخاطب.. هذا عدا إجراءات تم إتخاذها لجهة عبور الأجواء. ولنا في ما حدث مع وزير الخارجية المغربية الذي أوجبت الموانع الجزائرية إستئجاره طائرة إسبانية صغيرة نقلتْه عبْر الأجواء الجزائرية "المحرَّمة" إلى حين على المغاربة، وذلك للمشاركة في مؤتمر ينعقد في كيغالي عاصمة رواندا للتحضير للقمة الأفريقية - الأوروبية. وعندما كشفت السلطات الجزائرية هذا "التحايل" لامت بشدة حكومة اسبانيا. إلى هذا الحد تصل الأمور بين الشقيقيْن اللذين لم يخلدا إلى إستراحة التحدي على مدى سنوات العقدة الصحراوية! بل أكثر من ذلك وصل منسوب الحساسية إلى درجة أن مئات المغاربة من مجتمع مواقع التواصل الاجتماعي هاجموا بحدة ملكة جمال المغرب كوثر بن حليمة لأنها قالت في فيديو ما يفيد بأنها من أصل جزائري وأن جدتها الجزائرية علَّمت مغربيات أصول الخياطة وأن أهلها إنتقلوا من الجزائر وعاشوا في الربوع المغاربية السمحة.
لو كان برنامج الرئيس التونسي قيس بن سعيد على غير الفيض الذي هو عليه من التحديات وإلى درجة الخشية من أن يتقدم التحدي على فضاء التنوير الذي يرنو إلى نشره، لكان ربما بذل من جانبه المسعى الحميد للتوفيق بين الشقيقيْن المغربي والجزائري، وبما يجعل القمة خالية من الألغام.
كما كانت ليبيا لو أنها مستقرة وحسمت أمر الانتخابات الرئاسية لربما أدت واجباً أخوياً يساعد على إنعقاد قمة مطالبة بالخروج بقرارات قمة إستثنائية. والدور الليبي ممكن في حال نال الفوز مرشح وسطي لا غباراً أردوغانياً على أجندته أو إستقر الأمر على المتفهم عقيلة صالح.. أو حتى خليفة حفتر المتأثر بتجربة الرئيس عبدالفتاح السيسي وكيف أنهى "الأسطورة الإخوانية"، أو سيف الإسلام القذافي الذي ربما ترسو سفينة ترشحه التي تقاوم الأعاصير ووصل إلى شاطئ الرئاسة مثخناً بالدوار السياسي والحزبي ليبدأ بالتالي التجربة الثانية في تاريخ العهود الثورية إبناً يترأس ويصون، أو ليصون، أو ليرد الأذى عن تراث، أو مسيرة سنوات حُكْم والده الرئيس، وعلى نحو التجربة الأولى الراهنة مع إختلاف السيناريو.. تجربة الأسد الإبن يواصل الترؤس بعد تجربة الأسد الأب.
وحيث التوتر المغربي – الجزائري على حاله، وإن كان شكلاً ناراً تحت رماد وظروف كل من ليبيا وتونس على ما هي عليه، يصبح إفصاح الشقيق المغاربي الخامس موريتانيا عن إستعداد لبذل المسعى الحميد بين الشقيقيْن المغربي والجزائري أمراً محموداً.
المهم بداية أن لا تعصف الجائحة المتأهبة للإنتشار مع أشهر الشتاء بالقمة فتتأجل ولا تهدأ الأعاصير السياسية العربية المؤمل من القمة تلطيفها قدر المستطاع..
ويبقى في ضوء ذلك توقُّع الخير من قمة مجلس التعاون الخليجي بعد أيام علها تنظر في أحوال الأشقاء الحائرين في أمورهم وبالذات في لبنان والسودان وفلسطين وتونس وسوريا. ومن شأن هذه الإلتفاتة جعل المشاركين في القمة العربية إن لم توجب الجائحة التأجيل مرة جديدة يخرجون خروج المتضامنين المتكاتفين.. والله الهادي. وللحديث بقية.
فؤاد مطر