الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

موعد مع الإعجاز السعودي الثاني

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الخميس 4/11/2021

من دواعي الطمأنينة والغبطة لجيل الآباء والأجداد الذين واكبوا مثل حالنا كل في نطاق الدور أو الإهتمام خاتمة حقبة تأسيس الدولة السعودية فسنوات حقبة بلورة بناء الدولة هدياً من جانب الأبناء الملوك الخمسة سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمة الله عليهم، بالنهج الذي تركه الوالد المؤسس الملك عبدالعزيز طيَّب الله ثراه وصولاً إلى حقبة المملكة العربية السعودية الدولة الحاضرة التي ثبَّت الملك سلمان بن عبدالعزيز أوتاد خيمة حضورها في القرار الدولي... من دواعي هذه الطمأنينة وتلك الغبطة أن هؤلاء الأبناء والأحفاد سيشهدون كما سيعيشون إذا أمد الله بالأعمار مملكة غير التي عرفها أجدادهم وآباؤهم وأحاطوهم بالذكريات الطيبة عنها. فالذي بدأه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وبارك السعي والجهد خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان قد يبدو حُلماً في صيغة مبادرة قيد التنفيذ ورؤية مرسومة تبدو مثل القصص ذات الأساطير، هو السقف الأعلى في ما ستكون عليه المملكة بعد أربعة عقود. واحة بمساحة ملايين الأمتار خضراء على مد النظر مغروسة بكل أنواع الأشجار. البقاع الرملية تصبح هي الإستثناء في سهول خضراء، أو فلنقل ستكون هذه البقاع هي الواحات الرملية كما واحات صحارى الزمن الراهن. وكل ما إبتكره العقل العلمي والذكاء الإصطناعي بات موزعاً على مناطق المملكة سياحة وإستثمارات وتصنيعاً.

ما يجعلنا نغبط نحن جيل الآباء ومن قبْلنا جيل الأجداد، أن هذا الذي نقرأه أو نسمع عن رمز الجيل الثالث الذي على عاتقه أداء الدور والواجب في مسيرة الإنتقال بالمملكة من حقبة إلى حقبة ومن معالم إلى معالم، أن الإرادة عندما تكون مقرونة بالسعي وبالقدرات وبإستحضار مبدئية وجهاد الأقدمين يصبح الحلم حقيقة. هكذا التأسيس نفسه كان، إذ مَن كان يصور أن الجهاد الذي خاضه عبدالعزيز سيثمر دولة موحَّدة، لولا أن الحُلم إقترن بالإرادة وكلاهما بروحانية تبدد الخشية من الإخفاقات.
سيرى جيل الأبناء والأحفاد في زمن ليس بالبعيد أن السعودية التي عرفها الآباء والأجداد من قبل هي غير التي واكبها أجدادهم وآباؤهم في خاتمة حقبة التأسيس ثم في الحُقُب المتتالية مع الأبناء الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله كل منهم يرفد التجربة بما يعزز الشأن وصولاً إلى الإنفتاح المتدرج الذي بدأ به الملك عبدالله، ثم تضفي الحقبة السلمانية المزيد من الرونق والجديد إلى التحديث وفق ضوابط وتقاليد وبذلك يبدو الفعل بمثابة إضافات إلى ما كان بدأ إنما بإيقاعات تأخذ في الإعتبار أهمية مواكبة التحديث للطفرة النوعية العالمية على أكثر من صعيد.
ونحن عندما نواكب هذه الخطوات الهادفة تحضرنا الريادة السعودية الفضائية يوم إنطلق الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز في رحلة الفضاء الأكثر إثارة كون الريادة الفضائية كانت في مراحلها الأُولى من التجارب ما يعني أن مخاطر الفشل واردة لكن مع ذلك غلبت إرادة الأمير من جهة وإرتضاء الوالد إنجاز الرحلة، وكان تسجيل العرب من خلال المملكة مقعداً لهم في إكتشاف الفضاء.
وها نحن مصادفة نعيش كتابة فصل جديد في المشهد الدولي ويكون سلماني آخر على موعد مع إنجاز في ظل مهابة والده الملك والرفد الأبوي الدائم من التشجيع وبصيغة النصح والتنبيه إستناداً إلى التجربة العريقة على مدى ستة عقود عربية ودولية وفي عمق القضايا الشائكة التي خرج منها وقد بات واحداً من كوكبة المرجعيات في تقييم السياسات والمواقف والقدرة على التمييز بما هو الإيجابي وما هو السلبي.
على مدى نصف قرن كان إستحضار بعض التجارب في العالم على طريق التطوير وبناء الدولة المقتدرة والمواكبة للخط البياني في ما يتعلق بنمو الأوطان، محور تمنيات أبناء الأمة لأوطانهم. وكنا مثل الكثيرين نتوقف أمام ما إصطُلح على تسميتها معجزات دنيوية. وعلى سبيل المثال لا الحصر كيف نهضت اليابان من الركام إلى ما باتت عليه رمزاً مضيئاً في خارطة الثورة الصناعية.. صناعة الإلكترونيات والسيارات على أنواعها. وإلى درجة أنها كما السعودية وثماني عشرة دولة أُخرى باتت صاحبة رقم في الجمع الإقتصادي الأكثر أهمية في العالم والذي بعض مصائر الآخرين رهن رؤى قممه الدورية السنوية، وأحدثها تلك التي إستضافَتْها روما قبل أمس (السبت 30 أكتوبر 2021).
وكنا على سبيل المثال نستحضر المعجزات الدنيوية الأُخرى وهي كلها موزعة بين أقصى آسيا وأطرافها، مثل المعجزة الماليزية والمعجزة السنغفورية والمعجزة الكورية، إلى جانب المعجزة الألمانية. دول قُيِّض لقيادة سياستها وأمور مواطنيها مخلصون طموحون تغمرهم أحلام التطوير ونقْل الدولة من حيث تراوح مكانها إلى الصف الأمامي. ولقد نجح هؤلاء الذين كانوا بمثل ما هو عليه حُلْم محمد بن سلمان مع فارق أن الأمير محمد في سنه الفتية سيكون العين الساهرة على كل خطوة بناء تتم وعلى تسريع الإنجاز، لأن القدرات المالية متوفرة في المملكة نقيض ما كانت عليه أحوال تلك الدول، وهذا يعني أن آلية تنفيذ الحلم السلماني أكثر دينامية بما يعني حتى ربما إختصار المواعيد التي تُدرج على أجندة التنفيذ.
وثمة بعض الأمور التي تؤخذ في الإعتبار ونحن نكتب آملين متفائلين عن الإعجاز الدنيوي السعودي التي الأمة على موعد معه بعد بضعة عقود، وهو أن مباشرة التخطيط والبدء بتنفيذ الخطوات كان يمكن أن تتم على وتيرة أسرع لو أن التحرش من جانب إيران وأخواتها أو أذرعها، على مقارعته بغرض شل هذه الإندفاعة التنموية المقترنة بترطيب الأجواء ثقافياً وترفيهياً وتعديلاً وفْق ضوابط في ما كان محظوراً للضرورة وبات مجازاً لمواكبة مسيرة التطور والتحديث على مستوى العالم. ولكن عندما يكون الحالم مالك إرادة متوجة بتراث من جد حقق الإعجاز الدنيوي الأول وهو تأسيس المملكة ومسيرة أعمام أدى كل منهم قسطه للمملكة حتى لحظة الرحيل، ويكون تحت جناح سلمان بن عبدالعزيز، فإن وعد الإعجاز الدنيوي الثاني للمملكة الخضراء المرتبطة بشبكة قطارات تختصر الوقت والمسافات.. مملكة تكتسي أرضها بكل أنواع الشجر والزهر يطيب النظر إليها على كامل مداه. هكذا سيصبح حديث الأبناء والأحفاد من بعدنا ومن أجل ذلك نغبطهم.
وأما الذين يوثقون ويؤرخون فسيكتبون ذات يوم عن الإعجاز الدنيوي السعودي الذي أخذ مكانه إلى جانب الإعجازات الأُخرى التي ذكرناها. وسيقال إن الوالد أسس والأبناء صانوا والحفيد وضع المملكة على خارطة الإعجازات الدنيوية. والله المعين.