نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"
بتاريخ الأحد17/1/2021
تتأمل في إشراقة اليوم الأول من العام 2021 فتشكر الله سبحانه وتعالى على أنك لم تسقط فاقداً حياتك بجائحة الكورونا، فقد أمضيت ثلاثمئة وستين يوماً كما الملايين في العالم المجتاح تعيش في حالة المرشح لأن تصيبك الجائحة حالك حال هؤلاء الذين يتساقطون يومياً. ثم تأتي تباشير اللقاح فتجد نفسك تواقة إلى نصيبك منه عسى ولعل يقيك في العام الجديد وما تليه من أعوام من إجتياحة لبدنك من أذى الجائحة تفتك بحاسة الشم عندك وإحتباس الأنفاس ثم بتوابع من الضنك ومن الرأس حتى القدمين. وإذا أحاطك المولى عز وجل بعنايته وبقيت على قيد الحياة فإنك ستمضي العمر أسير شبح الجائحة ماثلاً أمامك، بحيث أن سعالاً عادياً مؤشراً إلى الإصابة وأن حالة من تعب الجسم الذي من الطبيعي الشعور به بعد يوم من العمل هي أيضا ًمؤشر إلى أن الجائحة شقت طريقها إلى بدنك، وأن ارتفاع حرارة الجسم درجة أو إثنتيْن مؤشر أيضاً إلى أن الخطر الكوروني داهم، مع أن هذا الإرتفاع في درجة حرارة الجسم أمر مألوف وكنت لا تعيره الاهتمام من قبل وكانت الحرارة تعود إلى درجتها العادية.
وستتعامل مع الكمامة كما لو أنها ساعة اليد التي تحرص صباح كل يوم على وضعها في معصمك وكما النظارات على عينيك، وستفقد شيئاً فشيئاً بهجة زيارة أحبائك وتمضية الوقت مع الأبناء والأحفاد.
وتتأمل مع إشراقة اليوم الأول من العام الوارث كل أنواع الصدمات والخيبات والإنتفاضات تعصف بكيانات من أمتك التي قلَّ عدد الحكام البررة بها وإرتفع الرقم في عدَّاد الخصومات والرهانات وتحوَّل الجار الفارسي وبعده الجار العثماني (المسلمان) إلى شاهر كل منهما تدخلاته بهدف إيقاع الأذى المباشر بأخيه العربي أو من خلال وكلاء فقد أصحابها وجوب تقديس المبدئية والولاء للوطن وتحولوا إلى أدوات يستعملها ذلك الأخ الجار من أجل إستنزاف قوتك وثروتك وإنهاك خاصية الأواصر. ثم يفاجئك جار مسلم آخر يلتحف كما الأول بسلاح المذهبية وأحلام السطوة على كيانات ومحاولة وضع اليد على حقوق في البحر والبر مبرراً أفعاله الشريرة هذه بأنها كما تبرير الآخر من أجل خير الأمة، ومتى كان الشر من خلال ورقة تجنيد المرتزقة وتكديس السلاح لأطراف لا تسلك طريق الهداية، خيراً للأمة.
ويحتار أمرك في هذا الذي يحدث ولا رادع لمقترفي هذه التدخلات أصحاب المشاريع الناشئة عن أحلام طاووسية غير مبالين بأحوال شعوبهم، وتتأمل في إنتظار ما يبدل الحال نحو الشفاء النفسي بالقول الكريم "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
ثم ترى في تباشير مفرحة ما يخفف وطأة الأثقال الضاغطة على النفس الحزينة. ومن الطبيعي عندما ترى النقلة النوعية من أقسى درجات الخلاف الذي ألقى بظلاله على النفس العربية الحزينة إلى التلاقي في الملتقى الأخوي في رحاب الملك سلمان بن عبدالعزيز مبتكر الصيغ الخلاقة للتصافي، فإنك تستعيد الطمأنينة التي إفتقدتها النفس الحزينة على ما أصاب الأمة التي كان الرابح السلبي من الخصومات هو الطرف العابث من خلال تدخلاته على أنواعها. ويحدو المواطن العربي الذي بدأ الحزن يتلاشى بالتدرج من نفسه وهو يتابع مشهد التلاقي في العلا- الأرض بأمل أن يتطور ليأخذ مكانه في العلى المكانة وتثبيت الاستقرار، أن تشكِّل القمة التي سيستضيفها الملك سلمان لاحقاً إتباع التصافي الخليجي بإنجاز خطوة على طريق التصافي العربي وبحيث يتم إنتشال الشقيق السوري من الجب الإيراني الذي وقع فيه، وهذا واجب نخوي كما الواجب الذي بذله أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد وإعتبره شقيقه الأمير نواف وصية فأكمل الواجب الوطني والقومي الذي أثمر بمباركة خادم الحرميْن الشريفيْن له.
وإذا سمعنا ذات يوم ليس بالبعيد أن الشيخ محمد بن زايد بدأ من خلال سفارة الإمارات في دمشق وبتنسيق مع الرئيس عبدالفتاح السيسي المنفتح نسبياً على النظام السوري المبتلى بالجاثم الروسي على أرضه وبحره وجوه والجاثم الإيراني على قراره وأنفاسه، قاما بمسعى طيِّب كالذي قام به الشيخ صباح وثابر عليه وبلغ منتهاه بمباركة الملك سلمان له فكانت علا التلاقي وإستذكار الأواصر على نحو القول الشعري "تذكرت القربى ففاضت دموعها"، فإن ملتقى في أبو ظبي يجمع الرئيس بشَّار بإخوانه من شأنه أن يؤسس لإستعادة الأخ السوري الذي، لا بد كما الأخ القطري، سيرى أن الخيمة العروبية واقية عكس الرهان على أطراف تعطي من طرف اللسان حلاوة ومن القوة العسكرية إستيطاناً يليها كل أنواع الأذى بأشقاء.
هذا الذي واكبه أبناء الأمة يوم الثلاثاء 5 يناير/ كانون الثاني 2021 لم يقتصر على أنه تجربة رائدة على صعيد إستبدال الشقاق العابر بوفاق راسخ يذكرنا بما قام به الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بقمة إستضافها من أجل مصالحة أردنية-فلسطينية وما قام به الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز خلال قمة إقتصادية استضيفت من حُسْن الإختيار في الكويت، وإنما هو إنعاش للنفس العربية الحزينة من كثرة الصدمات والخيبات. وعندما سيكتمل تثبيت القرار الوطني في كل من العراق ولبنان ويستعيد اليمن النصف المصادر من كيانه الوطني ويتوحد الصف الفلسطيني، فإن خواطر المواطن العربي لا تعود على الحزن الذي إستحكم في نفسيته من قبْل أن تحل الجائحة التي زادت النفس حزناً، وجاءت صيغة إستعادة التصافي في العلا والتوجه نحو التوافق بمثابة اللقاح السياسي الذي تفرزه الإرادات ويتكفل بإستبدال ما سبق وحدث وأضرَّ بما يوحد الصف... وهدياً بقول الرسول "المرء كثير بأخيه. عليكم بالجماعة فإن الذئب إنما يصيب من الغنم الشاردة".
ولقد عاش الخليج سنوات في مواجهة ذئبيْن وليس ذئباً واحداً. وها هي روح ملتقى العلا تؤكد أنه سيكون أشد عزيمة أمام الأفواه الذئبية وأنيابها.
فؤاد مطر