الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

من الرياض والقاهرة وبغداد إلى بيروت.. عساكم طيَّبين

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط" 
بتاريخ الأربعاء 17/2/2021

من الطبيعي في الأيام الكورونية التي طالت مفاعيلها المؤذية أن تنشط الذاكرة التي تختزن أسماء أصدقاء في الرياض والقاهرة وبغداد عطَّلت الجائحة الكورونية لقاءاتهم، كما أن موانع السفر حالت دون زيارات متبادَلة بينهم، فيلجأ المحجور مثل حالنا وحال هؤلاء الأصدقاء في أكثر من عاصمة عربية وأجنبية إلى الإتصال هاتفياً للإطمئنان بداية عما إذا كانت الجائحة لم تلسع كالأفعى السامة الجسم المنهك أصلاً، وإرفاق عبارة الحمدلله على السلامة بالطيِّب من الدعاء أن يحفظ الجميع.

هذا الذي نشير إليه كان يحدث على مدى بضعة أشهر مضت، ثم إذا بالكثيرين من رفاق جلسات النقاش في الرياض التي طال الغياب عنها مع رشْف القهوة العربية التي ينعش هالها ومجلسها النفس التي أضناها غلو الجاريْن الفارسي والعثماني، يضيفون إلى الإطمئنان عن الصحة وهل نأى الفيروس المحير والمتحور عنا، الإستهجان من هذا الذي نعيشه في لبنان، وكيف أن وطناً جميلاً يمعن أهل الحُكْم فيه بعثرة ويتعامل معه أولو الأحزاب والحركات بإستهانة وكأنه لعبة الكترونية للتسلية في زمن الحجْر الكوروني. ومع الإستهجان إستفسارات من نوع: لماذا يحدث ذلك؟ وكيف أن في كل دول العالم تتشكل الحكومة في خلال أسبوع على الأكثر، وإذا كانت هنالك موجبات لتعديل وزاري فإن هذه يؤخذ بها وتسير الأمور وكما لو أن ذلك أمر عادي جداً. كما من بين الإستفسارات المقرونة بالإستهجان ما يتعلق بصيغة إستقرار تحققت بعد طول إجتماعات وسعي مخلص هدف السعاة إليه كان إنقاذ لبنان من حرب أهلية. ولماذا هذا الإيذاء المتعمد لتلك الصيغة التي يُذكر بالخير سعاتها بدءاً بالملك فهد بن عبدالعزيز وأشقائه وإخوانه عبدالله وسلطان ونايف والرمز الدبلوماسي المضيء والصبور الأمير سعود الفيصل رحمة الله عليهم، ورحابة صدْر خادم الحرميْن الشريفيْن الملك سلمان يوم كان ما زال أميراً للرياض ودائم الحرص على أن تكون بيروت كما القاهرة تضيئان دونما إنطفاء ولو عابر مما يبعث في النفوس الطمأنينة. ولكم كانت تخريجاته علاجاً للعُقد التي إستحكمت أحياناً ثم أخذت طريقها إلى إذابة التصلب والأخذ بالممكن من النتائج الطيبة. ولولا تلك الصيغة التي هي "إتفاق الطائف" لما كانت قامت قيامة للبنان، ولكانت حاله كما حال دول تتوارث الإحتراب الأهلي وتسود فيها شريعة الميليشيات.

كما يُرفق الأصدقاء الذين يتصلون من الرياض وهم المحبون للبنان إمتداداً لحدْب دولتهم والشعب السعودي عموماً إستفسارات الطمأنينة، بالتمني على الممسكين بمقاليد السلطات الكف عن بعثرة خصوصيته، ويرفقون الإستفسار عن الأحوال الصحية منها والعامة، بأسئلة يرومون إجابة مقنعة لها، إذ بتلك الإجابة تستقيم الرؤية.

بداية يسأل هؤلاء: أليس هناك رئيس جمهورية للبنان الشعب والوطن؟ ونجيب: هنالك رئيس إنما هو لحليفه "حزب الله" أولاً وثانياً ثم ثالثاً للحزب الذي أوكله إلى صهره، فبات هذا الصهر يرى في نفسه مكانة كتلك التي رآها على مدى أربع سنوات ترمبية عجاف لنا كعرب، صهر الرئيس الذي أودى به العناد والتشاوف إلى أنه بات برسم الإدانة في محاكمة قد يلسع لهيب مثيلة لها حليفه غير الطيِّب النوايا بنيامين نتنياهو. مع ملاحظة أن الصهر الترمبي كوشنير هو أكثر تعقلاً وأقل جموحاً من الصهر العوني. ونضيف إنه لو كان، أو لو يتصرف، رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على أساس أن واجب الرئاسة صون البلاد فلا تفريط بسيادتها، والحرص على العباد فلا يرتضي ما هي عليه أحوالهم البالغة السوء على مدى ثلاث سنوات مضت، لما كانت حال الوطن على هذه الغلبة عليه أسير إرادة إقليمية تستعمل كورقة في تورط ساقت نفسها إليه.

ويسأل هؤلاء ما الذي يحول دون أن يكون هذا الرئيس كالرئيس السلف وكلاهما جنرالان في جيش شرعي يساكن على أرض الوطن جيش أمر واقع يتبين أنه أقوى شأناً منه كعقيدة وكتسلح. وللتذكير فإن الرئيس السلف الجنرال ميشال سليمان آثر مستبقاً بأشهر ولايته الرئاسية فإستعجل المغادرة بعدما صحح ما كان إرتضاه بفعل إغراء المنصب الرئاسي، وبدأ في التصحيح كمَن يريد القول إن لوطنك عليك حقاً وإن هذا الحق يتقدم على أي مغريات حتى إذا كان منصب رئاسة الدولة.

ويسأل هؤلاء هل إن هذا التعطيل لتشكيل حكومة مرتبط بتدبير يتم التحضير له وهو أن يكون وريث الرئيس الحالي ميشال عون على التحالف نفسه مع "حزب الله"، وذلك ضمن معادلة أن هذا الرئيس لا يستطيع الوصول إلى المنصب الأول والبقاء فيه من دون التحالف مع "حزب الله" وأن الحزب يتراجع شأناً أو يخوض مواجهة إذا جاء آخر خال من الإرتباط ومترهب نسبياً للبنان الوطن والشعب رئيساً للجمهورية. وهنا يصبح تعطيل تشكيل الحكومة كما هو حاصل ورقة للضغط والمساومة فيما دور الحكومة وواجبها تسيير أمور البلاد وتذليل الثغرات التي تعترض علاقات لبنان مع دول العالم، وبالذات مع الدول التي تتعاطف معه ويعنيها أمر إستقراره، فضلاً عن دول المجتمع الغربي عموماً من أميركا إلى أوروبا وروسيا الذي يرى في لبنان أنه الملاذ الذي لا ملاذ غيره لمسيحيي الشرق بعد الذي أصابهم في العراق وسوريا، ولأنه كذلك لذا فإن إستقراره مهم كصيغة إهتزت، ويمكن تعديل إجتهادات في شأنها أو كحالة من الحياد كتلك التي أطلقها رئيس الكنيسة المارونية البطريرك الراعي وكانت ستبدو أكثر تأثيراً في ضمير الناس وليس فقط مؤثرة نفسياً لو أن إطلاقها جرى على نحو إطلاق الميثاق الوطني. وقَصْدنا من ذلك القول إن الصيغة التي أطلقها البطريرك الراعي كانت ستبدو مطلباً وطنياً لو كانت ممهورة سلفاً بمباركة مسلمة كالذي حدث بالنسبة للميثاق الوطني من جانب الماروني بشارة الخوري والسُني رياض الصلح وإرتضاء الآخرين ذلك قبل ثمانية وسبعين عاماً.

ويسأل هؤلاء عن القصد من مطالبة البعض بإستقالة مبكرة لرئيس الجمهورية وكذلك بإنتخابات برلمانية فهل هذا أمر مرتبط بذاك. ونوضح للأصدقاء والقلقين المستفسرين إن الغرض من انتخابات برلمانية في حال إستقالة مبكرة لرئيس الجمهورية أو حتى إذا بقي حتى نهاية عهده، هو أن ميزان القوى برلمانياً سيتغير، هكذا إفتراض دعاة حل برلمان وإجراء إنتخابات. وفي تقدير هؤلاء أن صحوة مسيحية صامتة حتى الآن حدثت وأن مفاعيلها ستظهر في الانتخابات أي بما معناه تميل كفة الميزان المسيحي للذين يناهضون "حزب الله". لكن مثل هذا الأمر لن يكون مستقيماً إلاّ في حال هنالك حكومة محايدة وهنالك أيضاً رقابة من هيئات دولية محايدة أيضاً على العملية الانتخابية. وفي حال أثبت المسيحيون أن التحالف من جانب رئيس الجمهورية مع "حزب الله" كان السبب في ما آلت إليه الأحوال وبالذات على مدى السنوات الثلاث الماضية، فإن رئيس الجمورية عندئذ يكون صُنع في لبنان وبرعاية أميركية- أوروبية وتدعيمات سعودية وخليجية وليس صُنع على أيدي سورية-إيرانية.

ويسأل الأصدقاء عما إذا كانت الصحوة المسيحية ستواكبها من حيث نتائج الإنتخابات البرلمانية صحوة شيعية، وجوابنا عن ذلك أن هذه الصحوة مستبعدة، وأنها ستزداد إبتعاداً في حال بقي الطيف الشيعي الفاعل في لبنان لا يتحمل كما بوتين في روسيا وأردوغان في تركيا أي حراك يتعاطف مع مخططه وبقيت رئاسة سوريا بعهدة الرئيس بشَّار الأسد في الانتخابات المتوقع إجراؤها بعد خمسة أشهر وبقيت إيران الخمينية على ما هي عليه.. أو تعلن نوويتها ويُطوى بذلك أمر لبنان كدولة ذات سيادة.

لن تنتهي الإستفسارات والإتصالات، ومع كل إتصال عبارة عساكم طيَّبين وصابرين وسالمين، ذلك أن الحجر متواصل والكورونا الأصل تتناسل كورونيات من كل نوع. وسيظل الأصدقاء وبالذات من الرياض والقاهرة وبغداد يتصلون مستفسرين وسنبقى مهمومين بالذي حدث لهذا الوطن من بني حاكميه. لا حول ولا قوة إلا بالله. ولا غفر للذين يهيلون أتربة من الأطماع على محيا وطن سيبكون دماً عليه.. وإن طال جحودهم. ورحمة الله على لقمان اللبناني- الشيعي- الماروني الذي أرادوه حكيماً كما في الآية الكريمة "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ"، لكنه إرتضى الخيار الذي كان السبب في نهاية رصاصية مثيلة لنهاية صاحب رأي وقلم مثل لقمان هو سليم اللوزي رحمة الله عليه.

فؤاد مطر

 

 

ont-family:"Simplified Arabic";mso-hansi-font-family: "Simplified Arabic";mso-bidi-language:AR-LB'>فؤاد مطر