الكاتب

الصحافي و المؤلف فؤاد مطر

سبتمبر الحزين.. من لبنان إلى نيويورك

الرجوع

نُشرت في صحيفة "الشرق الأوسط"  
بتاريخ الإثنين6/9/2021

بدأ سبتمبر الذي من أبرز معالم أيامه عودة التلامذة في دول الخليج المستقرة إلى مدارسهم التي إستعدت لإستقبالهم أفضل إستقبال وأحدث برامج تساعد على نشأة أجيال تواصل البناء بعد التخرج والإنتساب إلى أعمال ومهن وتخصصات.

مثل هذه العودة مغيَّبة عن الألوف من التلامذة في بعض الدول العربية التي أغرقتْها الحكومات في الفوضى والتعطيل والفساد وإرتكاب كل ما يسيء إلى الوطن. من هذه الدول على سبيل المثال لا الحصر لبنان الذي أضاف أهل الحكم فيه إلى مأساة العيش المذل ونشوء متسارع لفوضى مجتمعية قد يؤسس عدم إحتوائها لحرب أهلية غير متكافئة، مأساة التعليم المهدد بإنكفاء مقوماته. فالمدارس الرسمي منها والخاص غير مؤهل. والكتاب المدرسي ليس متوفراً حيث لا وزارة طبعت، ولا وزارة أكدت أن الكهرباء والمياه ووسائل النظافة ستكون متوفرة، ولا وزارة تعهدت بأن الوقود للمدافىء في المدارس تم تحضيره وأن السيارات والأوتوبيسات ستنقل الطلبة من بيوتهم المطفأة فيها القناديل إلى المدارس. ولا المصارف ستفرج للمودعين بما يسدد أقساط المدارس ويلبي إحتياجات من المتاجر الكبرى التي دخلت هي الأُخرى في الرمق الأخير. وهذا ليس كل شيء، فهنالك مدارس ترتب أمورها على أساس الإقفال الإضطراري ذلك أن الميزانية التقليدية لا تسمح بزيادة مرتبات مدرسين من الضروري زيادتها وإلا فإن هؤلاء لن يحضروا ولن يلقنوا التلاميذ الدروس.
تلك ليست أزمة وإنما هي ضربة قاصمة للجيل الذي سيفقد الأمل في مستقبله ما دام يعيش حاضره على النحو الذي لو أن القلم سيحكي حالاته البائسة لكان المداد جف قلماً بعد قلم.
هكذا يهل سبتمبر على تلاميذ لبنان، كما هلت أشهر خمس سنوات مضت على الآباء والأمهات والأعمال وأفرزت يأساً ما بعده يأس عند النخبة العلمية والطبية التي تركت الشهادات والبراءات والإشادات معلَّقة على جدران المكاتب والعيادات والبيوت وغادرت يتحسر كل من أفراد هذه النخبة على وطن أرادوا رايته خفاقة فجاء عهد وبكل ما أوتي من الكفر وعدم إحترام للذات والموقع ينكس الراية كلاماً ومزاجاً وإرتهاناً ويبقيها كواحدة من بضع رايات منكسة في العالم العربي.
ومن معالم سبتمبر أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة تنعقد في رحاب مقر المنظمة الدولية في نيويورك التي باتت حاكمتها امرأة تصطف كممثلة للعاصمة التجارية العالمية الأميركية إلى جانب الإمرأة الأُخرى كاملا هاريس نائبة الرئيس جو بايدن، وتصطف الإثنتان إلى جانب نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي. كأننا في حال شاءت الأقدار أن يصاب الرئيس بايدن المتوعك أفغانياً إلى جانب التوعك الصحي الطبيعي بفعل الإجهاد للذين تكابدهم إستفزازات الحزب المنافس وبالذات الجيوب الترمبية في الحزب الجمهوري. وهذه الحالة المرهقة قد تجعل الرئيس بايدن غير قادر على مواصلة الواجب الرئاسي، فنصبح تلقائياً أمام أميركا جديدة بثلاث هامات نسوية: رئيسة للجمهورية التي عاصمتها واشنطن. وحاكمة ﻟ نيويورك عاصمة تجارة أميركا والعالم. ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي التي كثيراً ما شاكست الرئيس السابق ترمب وألقت ظلالاً على مهابته، كما كثيراً ما تتطلع ضمناً إلى أن تكون ذات فرصة رئيسة للولايات المتحدة على نحو ما خاب أمل هيلاري كلينتون في ذلك.
وخلال سبتمبر سيكون الحج إلى نيويورك مزدهراً كما في كل دورة منذ الأُولى 10 يناير/كانون الثاني 1946 وحتى الراهنة 21 سبتمبر 2021. ولقد إعتاد رئيس الدولة الأعظم الولايات المتحدة بسط هالته على الدورة السنوية غير العادية للجمعية العمومية، ويسعى حكام كثيرون يشاركون في إجتماعات الدورة إلى أن يعوضهم اللقاء بالرئيس الأميركي زيارات كانوا يأملون القيام بها إلى واشنطن. وهو من جانبه (أي الرئيس الأميركي) يغتنم المناسبة لكي يسجل مواقف لغرض في نفسه ولحسابات في سياسة إدارته كأن يتجاهل لقاء البعض أو يخص بعضاً آخر بإهتمام نوعي. هذه لفتات وتسجيل مواقف برع فيها الرئيس دونالد ترامب الذي بقي على نجوميته طوال أربع سنوات وتحققت له على المستوى القاري من خلال تلك القمة العربية-الإسلامية في الرياض يوم 20 مايو/أيار 2017 التي أرادتها المملكة تسليفة إهتمام متميز بأمل أن يرد على هذا الاهتمام بمواقف حازمة إزاء قضايا عالقة ومن شأن تسويتها جعْل المنطقة العربية أكثر إستقراراً وإنصرافاً إلى التنمية. ربما كان ترمب في وارد القيام بما هو متوقع منه وبحيث يأتي الرد على التحية بمثلها في الدورة الرئاسية الثانية. لكن سوء حظه غلب تمنياته. وها هو الرئيس المنتصر عليه جو بايدن مَن سيشارك في الدورة الأممية التي ستبدأ يوم 21 سبتمبر إنما ليست حاله كما كانت عليه حال الرئيس المهزوم الذي يخطط لخوض السباق من جديد وقد، على نحو ما أسلفنا، ربما تكون المنافسة مع كاملا هاريس.. الله أعلم.
وقياساً بالأحوال التي هي عليها الإدارة الديمقراطية المجللة بنكسة أفغانية تكاثر توجيه التوصيفات السيئة لها وبالذات من جانب ترمب و"جمهوريته" المتحفزة للإنقضاض عندما تحين لها الفرصة، فإن الرئيس بايدن لن يكون نجم الدورة الأممية، أو إنه لن ينفرد بالنجومية كما حال الرئيس ترمب. فالتداعيات الناشئة عن الحدث الأفغاني متتالية والشماتة به لا تقتصر على سلَفه اللدود ، إذ هنالك إبتهاج بمغادرة أميركا بايدن هروباً من أفغانستان مغلف ببعض الخبث لجهة التعبير عنه من جانب المتربصيْن بغرض إقتسام شأن العالم بالتساوي وهما روسيا بوتين وصين شي جين بينغ.
ولا نغالي إذا نحن إفترضنا أن من بين نجومييي الدورة هنالك الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي أضاف بزيارته التفقدية والودودة إلى العراق بجناحيْه العربي والكردي، المزيد إلى رقي زيارته قبْل ذلك إلى لبنان المدمى والمكسور الخاطر والزجاج والبنيان. كما هنالك مصطفى الكاظمي رجل العراق المستقوي بالبصيرة والحنكة والثبات على النهج الذي في ضوء مضمونه كان ترؤسه للحكومة العراقية. ولا بد أن مجتمع الدورة الجديدة للجمعية العمومية للأمم المتحدة سيخصونه بالإعجاب على ثبات موقفه وقدرته على ترويض الجار الإيراني بحيث يقلل إلى ما تحت درجة النصف من شهيته لإلتهام القرار العراقي وبحيث يعود إلى ما كان عليه في ظل أسلاف ترأسوا الحكومة الحكومة العراقية ولم يتمكنوا من تحقيق معادلة تجعل الشقيق العربي شريكاً مرحباً به في الحرص على السيادة العراقية وتجعل الإيراني يحسر هامش تطلعاته الهادفة إلى إحتواء العراق طائفة وسيادة، وتجعل الأميركي يبقى صديقاً بعد أن يخرج محتلاً ومن دون إنتكاسة تشبه الأفغانية. وهذا الواقع بدا واضحاً لمجرد إنعقاد قمة بغداد يوم 28 أغسطس/آب 2021 والتي كان مأمولاً أن تكون سوريا الدولة التي هي إمتداد للعراق أرضاً وعروبة من ضمن المشاركين في القمة التي نجحت لمجرد إنعقادها. فما بين الإقتراح بعقدها ويوم الإنعقاد كان التساؤل الأساسي: هل من الممكن عقْدها، ثم ما لبث المستحيل أن بات ممكناً. ومع الممكن نجاح ستبقى ملامحه ومعالمه في طيات التفاعل إلى حين. والله الهادي إلى سواء السبيل من لبنان إلى أميركا.. حيث هنالك حاجة إلى الهداية.

فؤاد مطر